الأربعاء، 19 مايو 2021

عن الوجودية وأشياءَ أخرى ..



   رغم انقطاعي الكبير-غير المغفور بأي عُذر- عن الكتابة، إلا أنًها تظلُّ الهاجسَ الذي لا أملّه، تأخذنا الحياة دون أن نشعر، وننسى خلالها ذواتنا وأنفسنا وتفاصيلنا وأشياءنا الصغرى وحتّى الكُبرى، وطوال هذه الرحلة، نغدو شيئًا غير الأمس، تمزُجنا الحياة مزجًا وتأكلنا التجارب أكلاً، فأنا اليوم لستُ أنا قبل خمس سنوات، بل دعك من الخمس سنوات، أنا اليوم مختلف تمامًا عن "أنا" قبل سنة. أفكارنا تتغير، عاداتنا تتغير، رؤانا تتغير، ثقافتنا تتغير، تفاصيلنا اللحظية والوقتية أيضًا هي الأخرى تتغير، أجل أعترف أني كائنٌ متغيّر، وما نحنُ أصلاً لو لم نتغير؟! علّمونا ألًا نبقى في مكاننا وأن نتحرّك باستمرار؛ ذلك أنّنا لسنا أشجارًا مُتحجّرةً ثابتة، ولكنّي في الحقيقة أرى أن الأشجار وإلم تتحرّك من مكانها وموضع بذرتها، إلا أنها تنمو وتكبر وزدهر وتضعُ أوراقًا وتُخرجُ أخرى، وهكذا تعطي وتُجابه الحياة رغم شدّتها وقسوتها وأمانها اللحظيّ العابر.

 

مررتُ في الشهر الفائتِ بأسئلةٍ وجوديةٍ مجنونة، ولستُ أدري هل تسائلتُ عنها حِينما كنتُ صغيرًا أم لا، ولستُ أدري هل ستظلَ هذه الأسئلة الوجودية تُريبُني وتنتابُني بين الفِينةِ والأخرى أم لا، ولستُ أدري –أيضًا- هل سيؤولُ بيَّ الحالُ إلى جوابٍ مقنعٍ أم لا، ولستُ أدري -أصلاً- كيف آلَ بيّ الحالُ إلى هذه الدائرة الوجودية المجنونة. الواقعُ أنّها أصبحَتْ تُخيفني كلما تعمّقتُ فيها، وهي على الرغم من بساطتها وتعقيدها في الآنِ نفسه، إلا أنها تدورُ حول الوجود، والكون، وعالمنا المجنون، وأفكارنا التي تربّينا عليها، وعِشنا عليها، وربما دون أن نبحث عن مصدرها، عن أصلنا، وعن اختلافنا المُحيّر، عن حالي الآن لو لم أكن أنا "أنا"، عن الأسئلة الكثيرة التي تكون إجابتها في الغالب بـ"التسليم المُطلق"! رغم ما وصلت إليه البشرية من علمٍ وعلوم، ومع ذلك، لا زلنا في رحلة البحث عن الحقيقة المُريبة.

 

سامحني يا الله على جهلي الكبير، فأنتَ أكبر، وعلمكَ أكبر.

إلى ذلك الحِين، أرجو هِدايةً ورشادًا وتوفيقًا وأمانًا واطمئنانا.

 

نهاية يوليو المجنون لسنة 2020