السبت، 10 نوفمبر 2012

في الإختبار .. رسائل و غش واستهتار

 
 
جريدة الرؤية
العدد 845
 
 
{ في الإختبار .. رسائل و غش و استهتار }
 
 
      بدأنا عامنا الدراسي بكل همةٍ وعزمٍ و تفاني ، أخلصنا و اجتهدنا و أطلقنا العنان لعقولنا ، فكنا نخوض مع الخائضين ، فمرة في قاعة اللغة العربية ننهل من بحر "المسند والمسند إليه" وتارة أخرى نرتشف من فيض الكيمياء " نزن معادلات التأكسد والإختزال  "
نعم .. ثابرنا .. اجتهدنا .. أعملنا عقولنا .. و تعبنا ، فلم نجد أنفسنا إلا و نحن على أعتاب تحديد المصير لنحقق بذلك حلم "12 سنة" رسمنا فيها بفرشاة الطموح أرقى معاني التحدي ، لنصل بذلك إلى لوحةٍ تحمل روائع الأدب الأبدي ، كنتُ أعتقد شخصيًا أن مرحلة الثانوية العامة يتفوق فيها كل من يجتهد و يثابر و يأخذ بالأسباب ، كباقي مراحل الدراسة المختلفة. انقضت فترة الدراسة بكل معانيها التي من الممكن أن تضاف مصطلحاتها الدبلومية إلى قاموس حياتنا اليومية .

لا زلتُ أتذكر تمامًا كيف كان أول اختبار ، وأذكر ما حدث فيه ، أقل ما يمكن أن يوصف بأنه "مــأدبةُ غِــش " !
قلت في نفسي ربما تكون الإختبارات القادمة أفضل مما رأيته ذلك اليوم .
فوالله لو جئت لترى لجنة الإمتحان ، لوجدت عجبـًـا . أفكارٌ وطرقٌ ينبهرُ منها العقل البشري ، وعلى صعيد الجانب الآخر ستجد الأعجب في "رسائل الجوال " .
خرجتُ من لجنة الإمتحان ذلك اليوم وفي أحشائي جبل هائل من "القهر" . كيف لي بأن أحتمل أمام ناظريّ تلك المواقف العجيبة ؟! حاولت ابتلاع القهر ولكن هاج في داخلي شعورٌ أشبه ما يكون بخيبة الأمل لما أراه .
طلابٌ وطالبات -الله أعلم- بهم في فترة الدراسة من اجتهادٍ ومثابرةٍ و تفوقٍ وكل ذلك من أجل أن يحصلوا على أعلى الدرجات ويحققوا طموحاتهم ، وفجأة يتساوى ذلك الطالب المجتهد مع قرينه ممن قام بنقل الإجابات من جواله بكل أريحية !
إن ما يحدث في مدارسنا من غشٍ و استهتار لا يمكن أبدًا أن يُرضي الضمائر التي تنبض بالحياة ، فكيف نغضُ الطرف عن قضية باتت رهينة المجالس و قلوب الطلبة المظلومين !
 
      لا شك بأن لهذه المشكلة عدة أبعاد لابد لنا من حصرها لكي نكون على دراية تامة بما يحدث "خلف الكواليس" في لجان الإمتحانات وألفت الإنتباه هُنا إلى ما يحدث في امتحانات الدبلوم العام .. فـكِّـر معي لوهلة .. ولنبدأ من بداية الخيط .. من هو الشخص الذي يقوم بإرسال الإجابات إلى الطلاب ؟!
 
كنتُ قد حادثتُ فيما مضى أحد الأساتذة الذين أتواصل معهم وأفتخر بذلك ، أخبرته بما دار في لجان الإمتحانات وما رأيته وما آلت إليه حالتي النفسية جراء ما أراه من زملائي من غش عن طريق الرسائل التي تُرسل لهم على جوالاتهم ،
 
إن الحقيقة مُرَّة ولكن لابد من الإفصاح عنها .. إنه المعلم !
إني بهذا لا أعني كافة المعلمين ومن له صلة بالحقل التربوي ولكني أتحدث عن فئة قد شوَّهت سمعة بقية المعلمين.
أجزمُ بأن هنالك الكثير من بُناة الأجيال من معلمين ومعلمات هم فعلاً أكفاء و سخروا جهودهم الجبارة في سبيل تعليم الأجيال والرقي بمستواهم التعليمي والفكري ولكني هنا أُسلط الضوء على من هم دون هؤلاء المعلمين ..
 
بالله عليكم .. أين ضمائر هؤلاء المعلمين ؟!.. ألم يكونوا وما زالوا يُعلمون الأجيال العلم الشريف وفضائل الأخلاق ؟ ألم يستشعروا عظمة ما يحملون من أمانة لابد عليهم أن يؤدوها حق الأداء ؟ أَنَسُوا كل ذلك من أجل إرسال "الإجابات" إلى أحد أقارب المعلم ولابد من مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم على حد تعبيرهم !
 
أين شوقي حينما قال :
قُــمّ للمعلم وفه التبجيلا  ..  "كاد المعلم أن يكون رسولا "
 
ولو تحدثت عن القصص التي أسمعها وأراها لأسهبتُ في ذلك ولكن وددتُ أن أخبركم بــ " غيضٍ من فيض " .
      إني هنا لا أنكر الدور الذي يقوم به المراقبون في لجان الإمتحانات ولكن المسئولية لابد أن تكون مشتركة ؛ فالعديد منهم متهاونون في هذه المسألة ولا يُعيرونها أيّما اهتمام ، فمن خلال تنقلي بين لجان مختلفة ومراقبين مختلفين وجدت النقائض والفوارق بين هذا و ذاك ، فمنهم من هو مدرك ومستشعر عِظَم المسئولية الموكلة إليه ومنهم من هو متهاون ومتواكل في أداء واجبه على الوجه المطلوب .
 
أخبرني بالله عليك .. هل ترضى بأن يكون الطبيب الذي يُشرف على حالتك الصحية ممن تخصص هذه المهنة العظيمة عن طريق عملية الغش في الإمتحانات باستخدام "الجوال" !
و هل يرضيك بأن يكون المهندس المعماري الذي يتولى عملية الإشراف على بناء منزلك في المستقبل ممن امتهن هذه المهنة بواسطة "الغش برسالة وصلته بالجوال" !
كيف لنا أن نرى أجيالاً تتخرج جيل تلو الجيل كانت حقيقة أمرهم "الغش"
إنه ليحزنني أن أرى طلاباً وطالبات قد حُرِموا من مقاعد في جامعاتنا المرموقة وأرى غيرهم ممن حازوا على تلك المقاعد باحتيال وعن طريق عملية الغش ، صحيحٌ أن كل شي "قسمة ونصيب" وأقدارٌ قد قسمها ربُّ العباد ولكن "الحرام بيـِّـن والحلال بيـِّـن . "
 
لابد منا جميعًا أن نضع هذه القضية نُصب أعيننا ولا نتهاون بتاتًا في مثل هذه الأمور فالمشكلة خطيرة والعواقب وخيمة خصوصًا وأن مثل هذه المشاكل ستؤثر حتمًا على مستقبل الكثيرين ، فالطالب الذي إلتحق بمؤسسة تعليمية فوق مستواه التعليمي لاشك بأنه سيواجه المتاعب والصعوبات في مشوار دراسته وبذلك ستصبح لدينا - مستقبلاً – أيـدٍ عاملة أقل إخلاصا و أقل كفاءة في العمل .
 
 
 
 
عبدالله الفزاري
 
تاريخ نشره في الجريدة : 8/11/2012