الجمعة، 14 ديسمبر 2012

إيـــاك َ و الموظفة !


جريدة الرؤية
العدد : 872  

     
      كنتُ قبل حوالي شهرين من الآن عند أحد أقاربي الذي أحسبُ أنه قد تجاوز الخمسين ربيعًا ، في الحقيقة هو دعاني لأن أزوره في منزله ذلك عندما علم أني أُحبُ الكتب وأقدسها و أتردد لـقرائتها. لم يكن عمي نجيب - أو كما يحلو لي أن أُسميه-فرحاً مستبشراً بقدومي وحسب ، بل من شدة فرحه وحُبوره أدخلني مباشرةً إلى مكتبته بعد أن أمطرني عبارات الحفاوةِ والترحيب. لا أُنكرُ أننا في تلك الليلة تحدثنا عن الكثير من المواضيع واحداً يجرُ الآخر ، إلى أن أدركتُ أن عمي نجيب يقتربُ مني ويقولُ هامساً : إياك والموظفة !

قطبّتُ جبيني متعجباً : ولماذا أبتعدُ -عندما أختار زوجتي- عن المرأة التي تعمل ؟!

أردف عمي نجيب رأيه قائلاً : ألا تريدُ أن تُكمل دراستك العليا ؟

قلتُ متحمساً : بلى ، أُريدُ ذلك حقـًـا !

    أكمل عمي نجيب حديثه مبررًا و مُقنعًا ، ذلك أن الزوجة التي لا تعمل تكون -في الغالب- متفرغةً لك ولأبنائك أكثر من غيرها ، ترعاك وتُوليك جُلّ اهتمامها ، حتى أنها ربما تُغدقُ عليك من فيضها وحنانها و وقتها أكثر من سـواها. إذا عُدتَ من عملك - مـثـلاً- تستقبلك فرحةً مستبشرةً بقدومك ، مشتاقةً متزينةً لرؤيتك ، وفي المقابل لا تكونُ الزوجة العاملة بنفس تلك المعايير التي تجدها متوافرةً عند الأولى. أبناؤك -على سبيل المثال- قد تضطر في الغالبِ إلى أن تُودعهم في "حضانة" لحين عودتكما "كــزوجين عاملين" من العمل ، بعد أن يكونوا قد قضوا ما يزيد عن الــ8ساعات بعيداً عنكما ، حتى أنك لا تعلم -بالضبط- كيف تمت معاملة أبنائك في تلك الفترة. تعودُ -بعد نهاية عملك- للبيتِ متعبًا مرهقًا و زوجتك "العاملة" كذلك. تشتري طعامك أو "ما يُقوّي صُلبك" من أحد المطاعم ، وفي أحسن الأحوال تكون "الخادمة" قد أعدت الغداء ، ليس لشيء ، وإنما فقط زوجتك "امرأةٌ جامعيةٌ تعمل" ويتحتمُ عليك أن تتحمل جميع تبعات إختيارك لزوجتك "العاملة".
   قد لا أكونُ مُنصفًا إلى الآن ، كوني سمعتُ رأي رجلٍ واحدٍ وقد تزوج مرتين-حتى الآن-، لكني عندما خرجتُ تلك الليلة مُــودِّعـًا عمي نجيب ، فكرتُ في هذا الموضوع مليًا ، و قررتُ أن أُوسِّع نطاق الأشخاص "المتزوجين" اللذين سأستهدفهم بأسئلتي حول هذا الموضوع على وجه الخصوص.
 

أستاذي وشيخي "علي"بادرني الحديث قائلاً -بعدما خضتُ في الموضوع معه- : «شخصان أو ثلاثة من زملائي المتزوجين هم المرتاحون في حياتهم الزوجية وما عداهم فكلهم يشتكون ، ذلك أن زوجاتهم من "العاملات"».

لا أُنكرُ أبدًا أني أعرفُ العديد من الأشخاص اللذين قد اشترطوا عند اختيار زوجاتهم أن تكون "معلمة" أو "ممرضة" ، أو على أقل تقدير أن تكون "موظفة" ، وبالتالي فهي تجني بِضْعًا من"الريالات" آخر الشهر !. قد تجدُ معظم النساء -إن لم يكُنّ كلهنّ- أن هذا ليس من الرجولة في شيء ، لكنك ستكون أكثر "رأفـة" إذا وضعتَ في الحُسبان غلاء المعيشة ، وما تـُحتّمهُ عليك مستلزمات الحياة لتعيش "حياة ً كريمة" ، أو بالأحرى ترقى لأن تكون كذلك.

ما رأيك لو فكرت قليلا ً بالفارق الفكريّ بينكما ، هَبْ - مثلا ً- أنك تحمل شهادة الدكتوراه ، و زوجتك لديها الإعدادية وربما اجتهدت قليلا ً وحصلت على شهادة الدبلوم العام ، أو لنقل العكس ! ، ألن يكون عند ذلك فرقٌ شاسعٌ بين تفكيريكما ؟! ألن يكون هنالك خواءٌ فكري مؤهلٌ لأن يصبح "اللاتوافق" بينكما ؟!

مهمٌ جداً أمرُ التقارب الفكري ، خاصة ً وأن انعدام هذا الأمر قد يُوجد مساحة ً فاصلة بين ما تراهُ أنت وبين ما تراه زوجتك للأمر ذاته.

     شخصيًا كنتُ أعتقد أن الزوجة "الجامعية" تكون مثقفةً واعيةً مدركةً مُنظّمَةً أكثر من الزوجة ذات شهادة الدبلوم العام أو التي لا تعمل. قد أكونُ محقًا ، لكن الجميع نبّهني إلى أن هذا الأمر ليس حتميًا. كم من نساءٍ "لا يعملن" لكنهنّ في غاية اللطفِ واللباقة ، وعلى حدٍ معقول من الثقافة و الدراية والنباهة. وبالمقابل أعرفُ العديد من النساء "العاملات"اللاتي يتمتعنَّ بشيءٍ من الموازنة بين حياتهنّ العملية والعائلية.

     بنهاية المطاف ، يكونُ هدفك الأسمى من الزواج هو المُحددُ لــ "قرارك" ، بعيدًا عن أن الزواج هو نصفُ دينك ، و واجبٌ على "المستطيع العاقل" تأديته ، قد تكونُ أكثر إدراكًا بمجرد التفكير لماذا تُريد أن تتزوج ؟ وما هي الأهداف التي حددتها وتنوي تحقيقها بعد الزواج ؟ و ما هي المعايير والضوابط التي وضعتها -نُصبَ عينيك- لاختيار زوجتك ؟

كل ذلك وأكثر .. أنت -كمثقفٍ عاقلٍ واعٍ مُدرك- من سيحدده.

 
 
 
عبدالله الفزاري


تاريخ نشره في الجريدة :
13/12/2012