كانت أيامًا صاخبة ً لا ترحم ، كيف لا ، و أسابيعي الثلاثة الماضية كانت
كأصخبِ ما عشتُ في حياتي. لم تكن ماجنة ، ولا حتى فاتنة ، وإنما اكتست سُندسَ
الجدِ و الكدِ و العمل كذا الأمل. سعيتُ جاهدًا خلالها أن أُقدّسَ الوقت كما
اعتدتُ أن أفعل من قبل ، وعلى الأقل ، أعتني به فيعتني بي تمامًا كسابق عهديْنا.
أكتبُ في صبيحةِ كل يوم ما أودُ تحقيقه وما عليّ إنجازه. ولولا لطف الله بي لأصبتُ
بالجنون حتمًا. أذكرُ أني قلتُ لأحدِ أصدقائي : "ضدان اجتمعا فيّ هذه الأيام : لذة التعب ، و بهجة الإنجاز".
في صباحاتي الطاهرة تلك أجبرتني الجامعة على احتضان مواقفها وممراتها
وأسورتها ذات اللون الهادئ العتيق حتى من بعد صلاة الفجر ، وأكادُ أجزمُ أني في
بعض الليالي كنتُ أعودُ لغرفتي فيما بعد الــ 1:30 فجرًا. ليس لشيء ! وإنما فقط
لــ"حـُـبٍ" أكنّهُ لــ"إبداع البصيرة" ، ولذة مقدّسة لم أشعر
بها قبلاً. ولعل ملتقى إبداع البصيرة هذا العام قد أنعش خلاياي الميتة ، بدءًا من
أعلى جمجمتي "العبودية" ، ومرورًا برئتاي و قلبي وقفصي الصدريّ ،
وانتهاءً بأخمُص قدماي الصغيرتان.
كانت أمي كلما هاتفتني أُخبرها أني لا زلتُ في الجامعة ، فتعجبُ من ذلك
وحُق لها أن تعجب ، لكني كنتُ أطمئنها وأرجوها أن ترسل دعواتها البيضاء إلى السماء
السابعة كما اعتادت أن تفعل ذلك كل ليلة ، وكنتُ دائماً ما أردد :
"لولا
دعاءُ أمي .. لكنتُ نسيًا منسيّا".